- "حوار مع مرآة الجامعة عن المياه في المملكة العربية السعودية"، مرآة الجامعة، السنة الحادية والعشرون، العدد 284، الأثنين 9 ذو القعدة 1422هـ (23/1/2002م).
أخشى من وقت تتقلص فيه الموارد المائية بحيث يتعذر إنتاجها
حوار: عبدالمحسن آل الشيخ
يناقش يوم الثلاثاء الموافق 15/11/1422هـ في مهرجان الجنادرية موضوع المياه في محاضرة يلقيها أ. د. محمد بن حمد القنيط ويقدم لها أ. د. عبدالله بن ناصر الوليعي الأستاذ في قسم الجغرافيا بالجامعة بعنوان (مشكلات المياه في المستقبل).
ويسعدنا في (مرآة الجامعة) أن نلتقي بالدكتور عبدالله وأن نجري معه الحوار التالي:
* سعادة الدكتور تناقش مشكلة المياه في المستقبل في محاضرة في مهرجان الجنادرية تقومون بالتقديم لها، نأمل تكرمكم بإعطائنا فكرة عن وضع المياه في العالم العربي بشكل عام؟
- تندر الأمطار في العالم العربي لغلبة المناخ الجاف في معظم بقاعه ولذلك لا يمكن أن تقوم للزراعة قائمة فيه إلا عن طريق الري، ويمكن الحصول على المياه من الأنهار التي تتبع من خارج الأراضي الجافة كنهر النيل ودجلة والفرات أو من المياه الجوفية، وغني عن البيان ما تستأثر به المياه الجوفية في المناطق الجافة من أهمية لسكانها في العالم العربي.
والمياه الجوفية في العالم العربي إما أن تأتي من مصدر خارجي أو ن تكون مياهاً حفرية، وثمة طبقات كثيرة خازنة للمياه في المناطق الجافة من العالم العربي مثل المياه الجوفية في الأحجار الرملية النوبية في الصحراء الكبرى، وفي صحراء شمال إفريقيا الليبية والنوبية وشبه الجزيرة العربية، وبعض هذه المياه الجوفية قديم يرجع إلى 24000 عام قبل الحاضر أو أكثر، وقد حدثت فترات مطيرة في الماضي في هذه النطاقات الصحراوية حيث نتج عن المطر ارتشاح عبر الطبقات الجيولوجية الرسوبية بمقادير أكبر من الوقت الحاضر.
والمناطق المروية في العالم العربي كانت مهد حضارات عظيمة إذ تكيف الناس مع ندرة الموارد فنشأت الطرق التقليدية في استخدام المخزون من المياه الجوفية في الواحات بالاستفادة من مياه الآبار الضحلة وجمع المياه ونقلها عن طريق شق القنوات والأفلاج، ولم يترك سكان المناطق الجافة وسيلة من وسائل الحصول على الماء إلا اتخذوها فطوروا الزراعة في الوديان بحفر آبار في إرسابات الأودية السميكة، وتمكن الناس باستخدام هذه الإرسابات في السهول الفيضية للأودية من استيطان أغلب أجزاء الصحراء، كما ابتدعوا بعض الوسائل البارعة للتوصل إلى المياه ففي جنوب غربي آسيا وشمالي أفريقيا حصل الناس على المياه الجوفية بحفر أنفاق أو آبار أفقية في المراوح الفيضية تمتد في الجزء الأعلى من المنحدر حتى تصل إلى المياه الجوفية في نهاية الأمر، ولكن التقدم والتطور في الأراضي الجافة صاحبه اتباع طرق جديدة لاستخراج المياه الجوفية، وثمة خطر تتعرض له المناطق الزراعية من جراء استخدام مضخات المياه حيث أدى استخدامها في واحات التمور بالجزائر إلى إنخفاض منسوب المياه ثم إلى هجر هذه الواحات في نهاية المطاف، فانتقلت بذلك الزراعة إلى مناطق أقل ارتفاعاً فأدى الري إلى رفع منسوب المياه بالفعل وبذلك خذت التربة في التملح، وأدى استخدام مضخات المياه في مناطق كثيرة في العالم العربي إلى انخفاض حاد في منسوب الماء محدثاً في كثير من الحالات جفاف أنظمة القنوات بما يصاحب ذلك من خسائر فادحة من الناحية البيئية، وتحتاج طبقات الصخور العميقة الخازنة للمياه الجوفية إلى الحفر الاستكشافي باتباع أساليب الحفر الرحوي، وقد حفرت آبار ارتوازية عميقة تتراوح أعماقها بين 100-1600 متر في بعض المناطق الجافة، وهذه الآبار الارتوازية تتدفق تلقائياً في البداية مما يثير ابتهاج سكان هذه المناطق لدرجة عظيمة، غير أن هذا التدفق الذي لا يخضع لضابط يؤدي في النهاية إلى التعجيل بانتهاء الضغط ونقص تدفق المياه بعد انخفاض منسوب المياه الجوفية، والآبار الارتوازية ليست متينة البناء على الدوام ولذلك يؤدي التسرب منها إلى امتزاج المياه المنبثقة من مختلف طبقات الصخور الخازنة التي تتفاوت جودة مياهها.
إن معنى استغلال المياه الجوفية في الأراضي الجافة بصورة مفرطة هو قيام نمط من أنماط الاقتصاد لا تستطيع إعالته هذه الأراضي الجافة. ويعتقد أغلب المراقبين أن المشروعات الزراعية الكبرى في الأراضي الجافة أمور مؤقتة إذ سيحين وقت تتقلص فيه الموارد المائية بحيث يتعذر إنتاجها إما لقلة في كميتها أو لارتفاع في تكاليف إنتاجها، وهكذا تأتي النهاية الحتمية ليكون مآل هذه المشروعات تحت الثرى شأنها في ذلك شأن سائر المخلوقات.
* وماذا عن المياه بالمملكة العربية السعودية؟
- تمثل المياه في المملكة بحكم ظروفها البيئية والمناخية القاحلة الركيزة الأساسية في عمليات التنمية، وتعد ندرة المياه بالمملكة من أهم المشكلات التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتزداد هذه المشكلة تعقيداً بسبب محدودية المصادر المائية الطبيعية وزيادة تكاليف الحصول عليها من المصادر غير التقليدية بالإضافة إلى تزايد الطلب على المياه للأغراض المختلفة خصوصاً في القطاع الزراعي.
وكانت الزراعة في المملكة العربية السعودية في الماضي تقوم على المياه الجوفية الضحلة لأغراض الزراعة، واستغلت أغلب القرى والمدن موارد المياه كالآبار والينابيع وخزانات مياه المطر كالغدران للتزود بالمياه، وبازدياد معدل التنمية زادت الحاجة - أيضاً - إلى مزيد من المياه، وكانت الزراعة أكبر مستهلك لهذه المياه غير أن حاجة المدن الكبرى إلى مياه الشرب تتزايد يوماً بعد يوم، وكانت وزارة الزراعة والمياه تضطلع بمسؤولية تنمية الموارد المائية في داخل البلاد قبل قرار إنشاء وزارة مستقلة للمياه، وتعد تحلية المياه إحدى الخيارات لتزويد مدن المملكة المتنامية بالمياه، فالرياض وهي تبعد عن الخليج العربي نحواً من 400 كم تعتمد إلى حد ما على هذه المياه المحلاة، ومع ذلك فقد ثبت ارتفاع تكلفة تحلية المياه وعجزها عن إنتاج ما يكفي من المياه لسد حاجة المراكز المدنية ومن ثم فلا تزال المياه الجوفية أهم مصدر يعّول عليه.
* نود إعطاءنا فكرة مختصرة عن الندوة في الجنادرية؟
- هي ندوة بعنوان "مشكلات المياه والمستقبل" يلقيها على شكل محاضرة الأستاذ الدكتور محمد بن حمد القنيبط في يوم الثلاثاء 15/11/1422هـ وهو من المحاضرين البارزين في هذا الموضوع وله إسهامات معروفة في موضوع المياه وإدارتها، وكان رئيس الفريق الذي وضع الأسس الاستراتيجية للمحافظة على المياه في المملكة العربية السعودية التي أعدها مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وسوف تعني المحاضرة باستراتيجيات إدارة المياه بالمملكة العربية السعودية مثل استراتيجية العرض والطلب مع تطبيق على المملكة العربية السعودية ومقارنة مع الأوضاع العالمية، كما ستناقش ما حدث للثروة المائية في المملكة أثناء الطفرة الزراعية فيها مع تقديم توصيات واقتراحات للإدارة المثلى للمياه في المملكة.
* ما هي الحلول المقترحة لمشكلة المياه في نظركم؟
- للمحافظة على التنمية الزراعية في المستقبل وعلى القدرة المائية في المملكة لسنوات عديدة فإنه ينبغي عمل ما يأتي:
1- وضع خطة استراتيجية واضحة لاستخدامات المياه على المدى القريب والمتوسط والبعيد للأغراض المختلفة تكفل وصول الماء الصالح للشرب لكل منزل وتحافظ على التنمية الزراعية وتنمي الموارد المائية غير التقليدية بأسلوب اقتصادي سليم.
2- تغيير مسار القطاع الزراعي على مدى العشر سنوات القادمة ليتحول من قطاع يستهلك 90% من مجموع المياه المستهلكة إلى قطاع يستخدم المياه بفاعلية، ويكفي لسد احتياجات المملكة من المنتجات الزراعية، ويمكن أن يشمل التغيير المنشود العناصر التالية:
أ - تخفيض ما يستهلكه القطاع الزراعي المائي الاستراتيجي.
ب - إعادة تنمية المناطق الريفية القديمة (مناطق الوديان والواحات) بأسلوب علمي حديث، ولابد من تنمية موارد المياه السطحية والجوفية المتجددة.
ج - إدخال أساليب الري الحديثة بشكل مكثف خاصة في مناطق الوديان والواحات حتى يمكن إنتاج كميات أكبر من المحاصيل باستخدام مياه أقل.
د - زيادة كميات مياه الصرف المعالجة المستخدمة في الزراعة ووضع اللوائح والتنظيمات الخاصة باستخدام هذه المياه حسب درجة المعالجة ونوع النبات.
3- القيام بالدراسات والأبحاث التي يحتاجها قطاع المياه مثل:
أ - تحديث المعلومات الخاصة بموارد المياه والطلب عليها من وقت لآخر نظراً لأهمية ذلك للتخطيط الشامل لقطاع المياه.
ب - زيادة فاعلية استخدام المياه في القطاعات المختلفة.
ج - استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة للأغراض المختلفة (زراعة، صناعة، ري المسطحات الخضراء، تغذية المياه الجوفية... إلخ).
4- ينبغي أن يحاط الناس علماً بالظروف والموقف الحقيقي المتعلق بالمياه الجوفية بالبلاد، فكثيرون في المملكة يعتقدون بأنهم يتعاملون مع أنهار جوفية لن تنضب أبداً لأنها تجري بمشيئة الله، وهم لا يدرون بأنهم يتعاملون مع مورد محدود غير قابل للتجدد.
5- ضرورة العناية القصوى بالمصادر المحلية لإنتاج المياه وتنميتها والمحافظة عليها خاصة الآبار المحفورة باليد وهي تشمل الآبار الزراعية الموجودة عادة في السهول الفيضية للأودية، والآبار المنتشرة في مناطق عديدة من المملكة لغرض الشرب ومنها الدحول الموجودة في هضبة الصمان والثمايل والمشاش التي يحفرها الناس في مجاري الأودية لغرض الشرب. وبما أن هذه الآبار تستقي مباشرة من مياه الأمطار فالمحافظة عليها ضرورة أمنية.
* كلمة أخيرة للمرآة عن المياه بالمملكة؟
- لقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن المياه الجوفية العميقة في المملكة العربية السعودية مياه حفرية حيث إن المياه الجوفية العميقة المستخدمة في الوقت الحاضر هي مياه حفرية، ولا يمكن في ظل المناخ الجاف الحالي أن تتجدد هذه الطبقات الخازنة، ومن هنا جاءت أهمية العناية بإدارة استخدام هذه الطبقات، وفي أطلس المياه الذي أصدرته وزارة الزراعة والمياه ما يلي: "ويشير العمر القديم نسبياً للماء الموجود في الطبقات الرئيسية الحاملة للمياه في المملكة إلى أن المياه الجديدة المضافة إلى هذه الطبقات عن طريق التغذية قليلة جداً، ونتيجة لذلك فإن كثيراً من الماء الذي يتم ضخه من الطبقات العميقة الحاملة للمياه لأغراض زراعية هو ماء مخزن وأن إحلال ماء مكانه يحتاج إلى سنين طويلة أو إلى سلسلة من الأحداث الهيدرولوجية الكبيرة.
ورغم توفر مياه كافية لسنين عديدة قادمة إلا أنه أمر شديد الأهمية مراقبة أية زيادة في استعمال المياه عن كثب من أجل الاستفادة على الوجه الصحيح من هذا المصدر الذي لا بديل له، ص 73".
ونظراً لأن كمية التجدد الطبيعي ضئيلة جداً وأن الماء ماء حفري فيصاحب استغلل موارد المياه على الدوام خطر نضوبها، ويمكن القول عن يقين بأن كل ما يمكن أن ينفد سينفد في يوم من الأيام، وثمة كثير من دراسات الحالة التي تؤكد هذا المبدأ والماء ثمين في أي مكان ولا سيما في المناطق الجافة وينبغي التعامل معه على هذا الأساس.
وفي أطلس المياه الذي أصدرته وزارة الزراعة والمياه ورد التالي: "إن جميع مياه الطبقات الحاملة للمياه الجوفية تأتي من المياه المخزونة فيها على مدى عدة آلاف من السنين الماضية، والمعدل السنوي لتغذية هذه الطبقات بالمياه قد يكون معدوماً أو لا يكاد يذكر، ولذلك فإنه أينما يتم سحب المياه الجوفية بصورة كبيرة فإن منسوب المياه آخذ في الانخفاض، وسوف يستمر في الانخفاض. وفي الطبقات غير السميكة الحاملة للمياه تصبح إمدادات المياه معرضة للخطر، بينما في الطبقات السميكة فإن ضخ المياه منها يصبح غير اقتصادي بسبب بعد منسوب المياه ص 45".