"قراءة في كتاب الربيعية"، جريدة الجزيرة، عدد 8785 (الجمعة 23 ذو الحجة 1424هـ، 7 أكتوبر 1996م).
صدر عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب كتاب "الربيعية" لمؤلفه الأستاذ الفاضل الدكتور عبدالعزيز بن راشد بن عبدالكريم السنيدي عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم وعضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، ويقع الكتاب في 230 صفحة من القطع المتوسط. وعندما أهدتني الرئاسة العامة لرعاية الشباب نسخة منه فرحت به وقرأته وحمد الله على إنجازه ذلك أنني أذكر أنه في سنة 1408هـ وكنت أُعدّ وقتها كتاباً عن مدينة الشماسية زارني كل من الدكتور إبراهيم بن عبدالكريم السنيدي والدكتور صالح بن محمد السنيدي على انفراد وتحدثنا في موضوع شرق القصيم وأنه من المناطق الغنية برجالها وتراثها وأدبها والقليلة في ما كتب عنها. وقد دعوتهم للكتابة عن بلدانهم في سلسلة (هذه بلادنا) لتكتمل السلسلة عن شرق القصيم، وقد قيض الله لمدينة الربيعية أحد أبنائها فكتب عنها هذا الكتاب الجميل. وقد بقي من شرق القصيم بلدان مثل النبقية والأسياح تستحق أن يكتب عنها، وتتميز سلسلة هذه بلادنا التي تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب بمنهج بسيط غايته تسجيل جغرافية المنطقة وتاريخها وتراثها الفكري والفني بأسلوب لا يطغى عليه المنهج العلمي وتعقيداته. وقد ساعد هذا الأسلوب مؤلفي السلسلة في التطرق إلى موضوعات مثل الشعر الشعبي والألعاب والمأكولات الشعبية والحرف المنزلية ووضعها كلها في قالب واحد بعيداً عن التخصص الدقيق ووحدة الموضوع.
وقد أجاد الدكتور عبدالعزيز السنيدي في طرق موضوعات الكتاب كلها رغم اضطراره للاختصار في كثير منها والحقيقة أن أهمية الكتاب تظهر بعد صفحة 46 أي بعد الانتهاء من الحديث عن الأمور الجيولوجية والجغرافية المعروفة والموجودة في كتب أخرى، فأهمية مثل هذه الكتب تكمن في الحديث عن بعض الأحداث والأشخاص الذين لا تتوفر عنهم مصادر مكتوبة وجل ما يعرف عنهم يجري جمعه من مصادر شفهية وغالباً ما يكونون من كبار السن.
وقد حوى الكتاب وثائق مهمة تعلن لأول مرة وتوضح هذه الوثائق الدور الكبير والرائد الذي شكله أهالي شرق القصيم في حسم الصراع بين أمير حائل ابن رشيد والإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ففي إحدى الوثائق يقول رحمه الله: "من طرف أهل الربيعية وأهل الشماسية وأهل الأسياح فدربهم دربنا، نعاملهم مثلما نعامل به أهل بريدة وعنيزة وما جاورهما من البلدان وقومتهم معنا قومة لله ولرسوله، وحنا ما قصرنا عليهم بشيء ولا جبنا أمر ما يرضونه والله الذي يعلم أن مقصدنا رفع الظلم عنهم وعن غيرهم من الرعايا" ثم يمضي فيقول: "والله وأنا خو نورة ما تشوفون ما تكرهون وأنا حي وفي آخر شهر ربيع الأول نتوجه إليكم وتأخذون العلم من راس إن شاء الله هذا ما لزم والسلام 15 صفر 1334هـ".
لقد صدق يرحمه الله وبر بقسمه فما رأى أهالي شرق القصيم ما يكرهون وهو حي فلقد ساد الأمن والأمان ورفاهية العيش بين البادية والحاضرة تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى ستة فصول تشمل النواحي الجغرافية والنواحي التاريخية والسكان والتطور العمراني والنشاط الاقتصادي والحياة الفكرية والعادات والتقاليد السائدة. وقد كنت أتوقع أن يأتي الفصل الخامس عن الحياة الفكرية مفصلاً ذلك أن الربيعية كان بها بعض الرواد في الحركة التعليمية قديماً وحديثاً ويكفي أن الشاعر محمد بن عبدالله العوني قد ولد وترعرع فيها، ولكن هذا الفصل جاء مختصراً لضرورة مراعاة حجم الكتاب.
وقد كان من المناسب ذكر عناوين رسائل الدكتوراه لمن حصلوا عليها وذكر مؤلفاتهم مثل د. عبدالله بن سعود القباع ود. فهد بن عبدالكريم السنيدي وغيرهما. كما أن الشاعر العوني -متنبئ زمانه- يحتاج إلى وقفات كبيرة وذكر طرف من نشأته في مدينة الربيعية مما لم يتم تسجيله في الكتب فالملحوظ أن المؤلف استقى معظم المعلومات عن الشاعر العوني من كتب مؤلفة.
هذه نبذة عن كتاب الربيعية وهي دعوة لقراءته والاستفادة مما ورد فيه من معلومات عن جزء عزيز من القصيم إحدى مناطق المملكة العربية السعودية. إن مثل هذه الكتب ليست دعوة للإقليمية الضيقة التي لا يقع في مستنقعها سوى أصحاب العقول الضعيفة ولا للتقليل من شأن غيرها من البلدان، بل هي جهود جادة لتسجيل مآثر سكانها ومشاركتهم في معركة توحيد هذه البلاد وعمارتها بالفكر والتنمية. شكراً لمؤلف الكتاب د. عبدالعزيز بن راشد السنيدي على هذه التحفة راجياً له مزيداً من التوفيق. هذا والله الموفق.
أ. د. عبدالله بن ناصر الوليعي
قسم الجغرافيا - كلية العلوم الاجتماعية،
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض