مقالات صحفية

هذا القسم يشتمل على مقالات صحفية خاصة بعلم الجغرافية


بعد دهس ظبي المجمعة: رثاء في يوم نحر فيه الوعي البيئي

 "بعد دهس ظبي المجمعة: رثاء في يوم نحر فيه الوعي البيئيجريدة الرياض، عدد  14407 (الثلاثاء 24 ذو القعدة 1428هـ، 4 ديسمبر 2007م).

 

رثاء لظبي المجمعة

بقلم

 أ.د. عبدالله بن ناصر الوليعي

قسم الجغرافيا-كلية العلوم الاجتماعية

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 

إنه ليوم حزين ذلك اليوم (8/11/1428هـ) الذي نشرت فيه جريدة الرياض (العدد 14391) خبر المطاردة غير المتكافئة بين جيش من 20 سيارة إضافة إلى عدد كبير من العمالة الأجنبية على دراجات نارية وظبي مسكين لا يملك حولاً ولا قوة. لقد انتهت المعركة بنتيجة متوقعة وهي نحر الظبي دهساً بين عجلات إحدى السيارات المطاردة. أقول إنه كان يوماً حزيناً ذلك اليوم الذي نُحِر فيه الوعي البيئي ووري فيه بالتراب الأمل المنشود في الجيل الجديد من الشباب ممن يحب البيئة ومكوناتها ويقدر الجهود في المحافظة على البيئة. كنت أتمنى أن أجد في الخبر ما يفيد بقيام أحد ما ولو على دراجة هوائية بالدفاع عن الظبي وحقه في الحياة، ولكن الهوس المحموم بقتل هذا الذي تجرأ وبقي على قيد الحياة بدّد الآمال. وما من شك لديّ في أنه قد خرج من إحدى المزارع التي يعشق أصحابها تربية هذه الأنواع.

يقول الخبر بأن أهالي المجمعة قد تفاجأوا بظهور ظبي بري، نعم لقد حق لهم بأن يتفاجأوا فقد قام الأجداد والآباء على مدى عقود بكنس ما في البيئة من أحياء فطرية كالمها والظباء والوعول والأرانب وغيرها. لقد كان مشهداً غير مألوف ذلك اليوم الذي ظهر فيه ذلك الظبي، وكان سيكون خبراً مفرحاً في أي مجتمع غير مجتمعنا تهرع إليه الكامرات التلفزيونية ومحطات الأخبار ومحبو البيئة بكامراتهم لتصوير ذلك الحدث، ثم تبدأ الأسئلة في البحث عن نوع ذلك الظبي ومن أين أتى، وكيف استطاع البقاء..إلخ. أرجو ألا نفاجأ يوماً ما بظهور ضب أو جربوع فقد بدأت مشاهد الندرة تظهر في كثير من البيئات بالمملكة بسبب هذا الهوس بالطراد والمنازلة مع ضعيف لا يملك من وسائل الدفاع ما يحمي به نفسه.

لقد امتلأت الكتب المنهجية للطلاب بفوائد المحافظة على البيئة وضرورة المحافظة عليها وحمايتها، وقامت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بجهود كبيرة على مدى أكثر من عقدين بنشر الوعي البيئي وثقافة حب الطبيعة وتقدير مكوناتها، ولكن يبدو بأن هذه الجهود لم تستطع إقناع الناس بأن يتخلوا عن حب الطراد والصيد والقنص الذي نتغنى به في كل قصيدة ومسلسلة تلفزيونية أو رواية أو قصة أو غير ذلك.

إن شيبنا وشبابنا يعلقون على صدورهم كامرات تصوير وفديو عندما يكونون خارج المملكة العربية السعودية لتصوير ما يعجبهم في الطبيعة، وتملأهم الدهشة والتعجب من حسن منظرها وتكامل عناصرها، ولكنهم يتحولون إلى جنس آخر عندما يكونون في المملكة فتحل البارود محل الكامرا، ويحل عادم الشكمان محل تقديم الحب والمكسرات للحمام والطيور. انظر إلى شعور الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس في رحلة له في غربي الولايات المتحدة عندما رأى ظبية مع جديها ترتع في أحد المروج دون خوف أو وجل فما كان منه إلا التقاط صورة معها، وفاضت قريحته الشعرية بهذه الأبيات:

رأيتها تلعاء مأنوسة            ما رابها من دهرها ما يخيف

ترنو إلى النظار من حولها    بطرفها الساجي الجميل الأليف

وجديها من حولها راتع        ما رابه من قانص أو حفيف

تنعى بني عم لها ما لها         من عاطف يرثي لها أو أليف

كأنما استوصوا بإفنائها        وعاملوها كالعدو المخيف

ما ذنبها ترمى على غرة       يروعها الخب الشقي الأسيف

ما بالها يروعها أهوج          يغري بها العلج الجهول العنيف

ما بالهم وهذه حالهم            يشقى بها وحش الفلاة اللطيف

قالوا شريف قانص ماهر      والرفق بالمخلوق عين الشريف

أبناء سام تلك أخلاقنا           أتى بها هدي شريف نظيف