مقالات صحفية

هذا القسم يشتمل على مقالات صحفية خاصة بعلم الجغرافية


اقتراح تأسيس منطقة في الربع الخالي لإدارة استثمارات النفط والغاز

 "اقتراح تأسيس منطقة في الربع الخالي لإدارة استثمارات النفط والغازجريدة الرياض العدد 13743 في 9 محرم 1427هـ (8 فبراير 2006م).

بقلم: أ.د. عبدالله بن ناصر الوليعي

 

تمهيد:

في القرن التاسع عشر قام عدد كثير من الرحالة بزيارة للمملكة العربية السعودية وكتبوا تقارير عن رحلاتهم تلك، ووصف بعضهم عدة جوانب للبيئة الطبيعية واكتفى البعض الآخر بتسجيل تجاربهم خلال تلك الجولة (انظر مثلاً Burton, 3581; Wallin, 4581; Palgrave, 2681; Guarmani, 4681; Doughty, ,6781 8781; Blunt, 9781).

وفي القرن العشرين برز اثنان من الرحالة الغربيين لإرسائهما القاعدة من أجل المزيد من الدراسات الجيولوجية والجيومورفولوجية، وهذان الرحالتان هما جون فلبي John Philbyوويلفرد ثسيجر Wilfred Thesiger. فكتب فلبي في سنة 1933م وثسيجر في عامي 1948م و 1959م أول وصف تفصيلي للرُّبْع الخَالِي. ومع ذلك فقد أضاف استكشاف البترول وموارد المياه الجوفية بعض المعلومات عن جغرافية الربع الخالي.

وأدى اكتشاف البترول إلى مجيء الشركات الأجنبية إلى المملكة العربية السعودية حيث واجهت هذه الشركات ضرورة إجراء دراسات علمية بالمملكة للحصول على المعلومات الجيولوجية اللازمة لاستغلال الموارد البترولية وغيرها من المعادن، واستقطبت كثيراً من العلماء والمهندسين للقيام بتلك المهمة وتمخض ذلك عن مجموعة هائلة من الدراسات والخرائط الجيولوجية.

واسم الرُّبْع الخَالِي اسمٌ قديمٌ، وليس اسماً مستحدثاً من قبل الغربيين . فكما يقول عبدالله الغنيم «يعتقد عدد من الباحثين أن اسم (الرُّبْع الخَالِي) الذي يطلقه الجغرافيون اليوم على ذلك الحوض الرملي العظيم الواقع في جنوب شبه الجزيرة العربية هو مصطلح حديث لم يكن معروفاً عند القدماء، وأنه ترجمة لكتابات الأوروبيين الذين سموه (The Empty Quarter) لأنه يشغل ربع مساحة شبه الجزيرة العربية تقريباً. وربما يزداد شك الباحث في هذا الأمر حينما يرجع إلى كتابات الجغرافيين الأقدمين كالاصطخرى وابن حوقل والمقدسي والإدريسي فلا يجد هذا الاسم في نصوص كتبهم ولا في خرائطهم. غير أن هذه التسمية وإن لم تكن موجودة في تلك المصادر القديمة فإنها تسمية عربية وردت في مصدر أحدث منها نسبياً وهو كتاب «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» الذي وضعه شهاب الدين أحمد بن ماجد في عام خمس وتسعين وثمانمائة من الهجرة النبوية وحدد ابن ماجد الرُّبْع الخَالِي بأنه على مشارق مَأرِب والجَوْف في صفحة 380، وإن كانت المصادر العربية القديمة قد أغفلت التسمية التي أوردها ابن ماجد والتي شاعت في كتابات المحدثين، فإن المصادر القديمة قد أطلقت على أجزائه المختلفة عدداً من الأسماء».

ويشتمل الرُّبْع الخَالِي على أكبر صحراء رملية في العالم أجمع، تمتد على مساحة تزيد على 600,000 كم2 ، وطول يقارب 1200 كم من درجة طول 30-44 إلى 00-57 شرقاً، وعرض يقارب 640 كم بين درجتي عرض 00-15 و 00-23 شمالاً. وهو يغطى المساحة بين الإمارات العربية المتحدة وسفوح جبال اليَمَن، ومن هضبة حَضْرَمَوت جنوباً حتى رمال الجَافُورَة ورمال الدَّهْنَاء شمالاً. وكان يطلق على الجزء الشمالي الشرقي من الرُّبْع الخَالِي رمل يَبْرِين نسبة لواحة يَبْرِين (أو جَبْرِين) التي تقع جنوب حَرَض بنحو 90 كم، والأحْقَاف على الجزء الواقع شمال هضبة حَضْرَمَوت، والجَزْء يطلق على القسم الشمالي الغربي جنوب وادي الدَّوَاسِر عندما تنقطع جبال طُوَيْق (العارض)، أما وَبَار فيطلق على القسم الغربي من الرُّبْع الخَالِي المتاخم لبلاد اليَمَن. أما الأقسام الحالية المتداولة للرُّبْع الخَالِي فهي العُرُوق المُعْتَرِضَة في شرق الرُّبْع الخَالِي، والدِّكَاكَة وعروق المَوَارِد والقَعَامِيَّات في جنوب الرُّبْع الخَالِي، وشُّقَّة الخَرِيْطَة ورَمْلَة يَاْم ورَمْلَة دَهْم في الجزء الجنوبي الغربي منه، وعُرُوْق بَنِي مُعَارِض وبني حُمْرَان وعروق الرُّمَيْلَة في غرب الرُّبْع الخَالِي، والطُّرَاعِيْز والحِبَاكَة والكُرْسُوع والَّسنَام في الوسط والشمال.

وفي عصر البلايستوين الأعلى كان الرُّبْع الخَالِي غنياً بالنباتات والأعشاب والحشائش الطويلة، ربما من نفس أنواع الأعشاب الصحراوية الموجودة الآن مع تنوع أكثر، كما كان يوجد بعض الأحراش والغابات القزمية. وفي هذه البيئة الغنية بالحشائش كان يعيش جيش من الحيوانات المختلفة التي ساعدها وجود الماء الدائم والحشائش المتوفرة على العيش والتكاثر. ولقد وجدت آثار لجاموس، وفرس نهر، وبقر وحشي، ووضيحي، وغزلان، وتبدو حافات البحيرات وقد كستها أنواع من النباتات المائية مثل البوص والبردي والأثل وربما بعض الأجمات من أنواع أخرى.

وقد تكونت البحيرات في الرُّبْع الخَالِي بسبب الأمطار الغزيرة التي كانت تسببها الرياح الموسمية. ويؤكد العالم الجيولوجي مكلور بأنه كان هناك أكثر من ألف بحيرة. وقد كان فلبي Philbyفي كتابه الرُّبْع الخَالِي Empty Quarterز أول من صرح بوجود بقايا لضفاف بحيرات مع بعض أدوات العصر الحجري في أماكن متفرقة ومنعزلة من الصحراء فهو يقول: «استطيع تصور الرجل البدائي على ضفاف نهر قديم أو بحيرة يمارس مهنة الصيد مستخدماً رماحه وأقواسه ليصطاد الحيوانات التي قدمت لتشرب من المياه المتوفرة. لقد تزامن بناء الحضارة في صحراء الرُّبْع الخَالِي مع حضارات عظيمة أخرى كالتي بنيت في مصر وبلاد الرافدين، ولكنها ما لبثت أن أصابتها كوارث الجفاف فقضت عليها».

وتعد الرمال في المناطق الجافة نعمة لا تقدر حق قدرها، فهي نعمة للغطاء النباتي وللحيوانات المتكيفة مع المناخ الجاف. فالمطر القليل الذي يسقط على المناطق الصحراوية الرملية يتسرب بسرعة داخل الرمال ولهذا يجري حفظه من التبخر. وهذه الظاهرة تفسر غنى المناطق الرملية بالنباتات المعمرة التي تتحمل الفترات الطويلة من الجفاف. وعلى النقيض من هذا ما عليه حال التربة العارية من الرمال فهي تفقد مياه الأمطار من خلال التدفق السطحي أو التبخر إذ أن حبيبات التربة الطينية الناعمة سرعان ما تنتفخ مع أول رشة من المطر مغلقة مسام التربة مما يمنع مياه الأمطار من التسرب. ولكن مثل هذه التربة الطينية تصبح مفيدة إذا وقعت تحت غطاء من الرمل إذ أنها تمنع مياه الأمطار المتسربة من استمرار التعمق وتجعله متاحاً للنباتات المتعمقة في الرمال. ولهذا تنجح النباتات المعمرة في التكاثر في المناطق الرملية لتوفر الماء خلال الفترات الجافة، بينما لا يحدث هذا في التربة الجرداء الخالية من الرمال نظراً لأن أي نبتة جديدة سيقتلها لهب الصيف لعدم وجود ماء كاف يغذيها. وغالباً نجد أن مناطق الرمال تحوي طبيقات رفيعة من التربة مدفونة تعود إلى عصور مناخية ماضية وهي تساعد في توفير الأملاح والمواد العضوية اللازمة لنمو النباتات وزيادة قدرة الرمال على الاحتفاظ بالماء.

اقتراح تأسيس منطقة في الربع الخالي:

لا شك أن الربع الخالي منطقة عزيزة من مناطق المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف وقد زادت أهميتها بعد أن بدأ استثمار النفط والغاز من آبارها. وهي من المناطق العذراء المجهول أغلبها. وإنه من المؤسف أن نجد أن الربع الخالي بدأ يرتبط اسماً بدول الجوار التي بدأت تحسن استخدام هذه الرمال في السياحة البيئية وغيرها (حاول أن تبحث في الانترنت عن ذلك لترى صدق ذلك).

ونحن نقترح هنا تأسيس منطقة في الربع الخالي اسمها (منطقة الربع الخاليوتكون حدودها الشمالية متوافقة مع درجة عرض 24 شمالاً التي تقع إلى الجنوب من حرض، ومقر إمارتها يقترح أن تكون يبرين أو الخرخير.

ومن المتوقع أن تكون منطقة الربع الخالي من أكثر مناطق المملكة العربية السعودية نشاطاً سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو السياحة. وسيوفر تأسيس منطقة بها إيجاد إدارة نشطة تخدم سكانها وتدير الثروة النفطية والغازية بها. وإضافتها للمنطقة الشرقية كما هو حاصل الآن خطأ جغرافي وجيواستراتيجي فهناك مسافة هائلة بين مقر إمارة المنطقة الشرقية والربع الخالي. كما أن جيولوجية منطقة الربع الخالي ومكامن النفط بالربع الخالي مختلفة ومنقطعة عن مثيلاتها في المنطقة الشرقية مما يدعم تأسيس منطقة مستقلة إدارياً واقتصادياً عنها.

وهذا الاقتراح يجعل من الدراسة التي تزمع هيئة المساحة الجيولوجية القيام بها مهمة جداً لإلقاء الضوء على هذه المنطقة الغالية من بلادنا. ونقترح أن تشتمل الدراسة على الآتي:

1- رصد كل ما كتب عن الربع الخالي وجمعه وتصويره ليكون في مكتبة الهيئة في متناول الباحثين وأعضاء الرحلة والمخططين لها.

2- جمع ما لدى شركة أرامكو السعودية عن الربع الخالي، وفهرسته وجعله متاحاً للباحثين وأعضاء الرحلة.

3- جمع التقارير الحكومية من الوزارات التي قد يكون لديها اهتمام بالمنطقة مثل (وزارة الداخلية، وزارة الخارجية- معاهدات الحدود، وزارة الزراعة، ووزارة المياه والكهرباء، ووزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة التخطيط- مصلحة الإحصاءات العامة، والهيئة العليا للسياحة).

4- الاهتمام بجيولوجية المنطقة والأحداث التكتونية التي شهدتها عبر العصور، مع التركيز على بقايا النيازك، ومواقع التعدين أنواع الرمال وإمكانية الاستفادة منها اقتصادياً. ويتوقع من الباحث أخذ عينات من كل ذلك لتحليله فيما بعد وإعطاء أجوبة محددة جازمة.

5- الاهتمام بجغرافيتها ووصفها والتعرف على ظواهرها الطبيعية ووصفها، مع التركيز على الرمال والسباخ ووصفها وبيان أشكالها. ويرافق تقريرهما خرائط مفصلة للدروب والمفازات في الربع الخالي، مع إعداد دليل بأسماء الأماكن في المنطقة وربط كل ذلك بإحداثيات كل موقع ليسهل توقيعه واستخدامه فيما بعد.

6- جمع عينات من النباتات وإصدار دليل عن نباتات المنطقة ووصف لها مع صور واضحة وتوزيع دقيق للأنواع. وإعطاء تقرير واضح عن الحالة الراهنة للغطاء النباتي في الربع الخالي ووسائل منع تدهوره.

7- رصد المجموعة الحيوانية ومعرفتها وقص آثارها وفحص مخلفاتها، وتحديد المنقرض منها وما هو على حافة الانقراض أو خارجها. ويكون كل ذلك موثقاً عير صور أو روايات شفاهية أو مخلفات أو رؤية مباشرة.

8- رصد ما ورد عن الاستيطان القديم في الربع الخالي وتحديده ومحاولة العثور على مخلفات في الأحقاف وغيرها. مع استخدام أولي للاستشعار عن بعد لمسح المنطقة وتحديد بعض المواقع للكشف الحقلي.

9- رصد المجموعات البشرية التي ترتاد الربع الخالي، وتسميتها وذكر ديارها وتابعياتها، وموسمية تحركاتها وغير ذلك. ويرفق مع ذلك تقرير مفصل عن القبائل التي ترتاد المنطقة.

10- الخروج بتصور عن الجوانب الإيجابية لرمال الربع الخالي وبيئاتها وانعكاس ذلك على السياحة الداخلية. ومن اللافت للنظر اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بهذا الأمر، وهما ليس لديهما من مساحة الربع الخالي سوى القليل.